الاثنين، 3 يونيو 2013

الخيال في زمن الاغتيال

الشعر مغامرة جميلة حقا. هو درب جميل من الأعشاب الخضراء والعصافير، لكنه غير مضمون دائما. هي أشياء جميلة قد تؤدي بك إلى المقصلة...لماذا؟؟
لأن الشاعر حين يتأمل زهرة القرنفل يرى حبيبته الباسمة...وقد يرى بجانبها وطنه الأسير و الوجوه الواجمة. و يقول لا يسعني إلا الحب في زمن الحرب.
فهو دائما متهم و مشكوك في أمره.لأنه يرى اللطخات القبيحة التي لا ترى عندما يرى الجميع كل شيء جميل. و يتأمل الأشياء الجميلة الصغيرة، بل يعشقها عندما يرى الناس كل شيء قبيح...يرى في المطر كل الحياة وأهازيج الحصادين وغيث الأرض. ثم يقول: المطر أيضا غيث الناس عندما تنسد أبواب الحديث بين غريبين.
عندما يريد الجميع أن يفتخروا بماضيهم و أمجادهم القديمة، يطير الشاعر مع غيمة في السماء ليحتفل مع نملة كادحة بماضيها الآتي. فالحب يقوده إلى الوطن و المنفى، وتصوفه المسكون بالحرية يقوده إلى السجون.
هذا هو الشاعر: البحر من حوله متلاطم الأمواج. قرص الشمس الأحمر أمامه يودعه ساخرا نحو الغروب. يجذف نحو قصيدته الهاربة. وخلفه ترك كل الصخور المتربصة بقاربه الخشبي، منطلقا نحو ذكرياته و تأملاته، هاربا من ضجيج المدينة وبصاصيها. نحو حبيبته، نحو الكتابة.
يعانقها و يلاعب نسيم الخيال المنهك بسراب الواقع. لعله يستطيع الانفلاث من خيوط العنكبوت ومن الفخاخ المتربصة في كل مكان. صدق فوكو حين قال إن السلطة و القمع لا مكان لهما لأنهما يوجدان في كل مكان.
الشاعر أراد ان يعيش ما يريده و ما لا يريده خلف أسطر أوراقه المخربشة. اكتمل الوزن أو اللاوزن الذي يبحث عنه في هيأة استعارة..ابتسامة..وردة..قصيدة أو عشتروت الفينيقية. حين حمل قلمه اكفهرت كل الوجوه المستبدة الناقمة. وسموه على وجهه كمجرم خطير يحرض الخيال على التمرد، يحرض الكناية ضد الطاعة، و يصير كل الطغاة في شطر واحد بغاة.
 قيل له إن أوراقك فاسدة الأخلاق. حروفك تنثر الشقاق سرا في شقائق النعمان، وتبعث كل الصعاليك من قبورهم. صدر الحكم، أحرقت بنيات أفكاره في الزقاق، كما أحرقت كتب ابن رشد. أعلن: أن كل من ردد مهاتراته من الفساق. رد الشاعر منافحا عن حق الفراشات: كل الأشياء سمعتها..الأخلاق، الشقاق، النفاق، الوثاق...و نسيتم زهر الدراق.
قال الشاعر لسجانه: لم أنا هنا؟...قيل لأنك عديم الأخلاق، سفيه، كلماتك خارجة عن القانون...
ابتسم الشاعر أمام جلاده ساخرا: تأمل جيدا في تضاريس خيالك تجدها خارجة عن القانون..متى كان الخيال يأبه بفصول القانون. ألم تنصت لنفسك يوما؟ ألم تجالس أحلامك؟كوابيسك؟أحلام اليقظة؟النوم؟ و الخيال؟ كلها أشياء ترقص خارج الدائرة الحمراء. ارتعد الجلاد من حقيقته و انبرى واجما: قل لهم ذلك في المحكمة...و فعلا تحدث الشاعر فقال قصيدة.
هذا هو الشعر، و هكذا هو الفن و دروب المخيلة. أسرع القاضي في حكمه خائفا من خياله و من صحوة الضمير، قائلا: سطورك كلها كلام  بذيء، شتم، كفر وعصيان. كلها مفردات جنس و جسد عار،فتنة للعالمين...
حين أخرجوا الشاعر المنهوك بأسئلة الكون، نحو مقصلة الخيال. استرق الأنظار إلى ردهة المحكمة، و لمح الواقع المضحك المبكي. هناك بعيدا على كرسي مهشم، امرأة بلحمها و دمها ممزقة الأسمال،مغتصبة...منذ زمن طويل تنتظر موعدا واحدا من هذا القاضي الذي هزه منظر امرأة ترقص في ثنايا قصيدة ما. و قال ساخرا أمام شانقه: هذا هو الخيال في زمن الاغتيال.
                                                               عبد الرحيم لعرب

                                                                       04/04/2013                                                                                                       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق