الأحد، 10 نوفمبر 2013



قال لي صديقي : " لولا الدولة لافترس بعضنا بعضا. اتفق كليا مع نظرية توماس هوبز".
أجبتـــــــــــــــــــــه: " لكن لماذا ترتكب أبشع المجازر وحروب مفترسة من أجل حمايتها؟!!. لم أسمع يوما أن أسدا أو ضبعا افترس  أكثر من 30 مليون دابة.
ثم قال لي مرة أخرى: " لولا الدين لما استطعنا حماية أنفسنا من عدوانيتنا المرعبة".
فأجبتـــــــــــــــــــه: " لكن لماذا ترتكب أهول المجازر باسم الدين؟!!

الأحد، 6 أكتوبر 2013

الشاعر أمام محكمة عسكرية



قال القاضي
أ تحمل بندقية؟
قلت: لا... لا... لا
لا تقتل الشعر في أحشائي
فأنا لي أمنية...
قال: شعرك وسيفك عنتر
قلت: كيف يناطح الشمس القمر؟
غضب مني ولاح وجه أصفر
قلت: هل الكلم يرفع علما إذا انتصر؟
حينها ضرب بالمطرقة
وقال هذا هو الإثم أكـــبر!
قلت: أكلماتي رصاصات مدوية؟!
قال:هي طائشة، تقتل خمسا تحيي مئة
حينها وجدتني وراء القضبان
بتهمة التسلح! !
                                                                      ع الرحيم لعرب 1999



أبو ذر الغفاري على أبواب منازلنا



محدقا يسري ، يتأمل جنبات الأحياء
كم من تفاصيل الكون
لم نعرفها بعد؟
كم من تفاعيل الشعر
لم ننظمها بعد؟
كم من طلاسيم السحر
لم نحلها بعد؟
كم من تراتيل النصر
لم نتنغمها بعد؟
كم من تجاعيد الوقت
لم نحرثها بعد؟
كم من سؤال لم نطرحه بعد؟
أجابني بعينيه المتربتين
و قدميه المشققتين
أ لم تمزق حجاب الكون لترى؟
أبا ذر يجوب أحياء الصفيح
يقول: و الله لأعجب لأناس
لا يجدون كسرة خبز في بيتهم
فلا يخرجون للناس شاهرين سيوفهم؟؟
أ لم تقطع عباب الشعر لتسمع؟
ن
َظْم العصاة يقول:
قفا نبكي على برلمان
غدا فينا سيركا بيزنطية الألوان!
ألم تكسر زجاج الصناديق ليشهر المهلهل سيفه
فاضحا لواط القبائل؟
و بحثهم عن أنبياء بلا سراويل؟
كم سؤال طرحت و لم يجب !
عندما كان ذاهبا إلى الحصاد مسحت جبهته المتجعدة
كأرض كنعانية الأهواء ولم يجب!
قرأت في عينيه و في شارة منجله المنحني:
كم من الآهات لم تفهم بعد؟
************
مقطب الجبين يقطع عباب الهواء
سألته: أ لم تقرأ عن الانتخابات و الأحزاب؟
قال : أ لم تكتوي بالأسعار و شرب الأنخاب؟
سألته: أ لم تسمع بالصناديق و الأحباب؟
قال: أ لم تسمع عن الأجور و الأتعاب؟
سألته : أ لا تؤمن بالبلدية، ألا تدعو ربك تحت قبة البرلمان؟
قال: أ لا ت
ُسْلِم بالمنجل، و ذود السنان عن أشجار السنديان؟
سألته: أ تكفر بالوطن و السلطان؟
قال:كفرت بالألوان،كفرت بالأعيان،كفرت بالتيجان.
صلب اليدين قال، فصيح اللسان قال:
كم من الأصوات لم تسمع بعد؟
سألته: ألا تصوت، ألا تلبي نداء الحملات و التلفاز؟
فتح فاه، و بدأ يصوت :
واه...واه...واه...واه...واه...واه...
حامل السنان قال:
كم من الأصوات لم تُسمع بعد؟
كم من الخطابات الزائفة لم تُقطّ
ٓع بعد؟
كم من المنابر الخشبية لم تُكسر بعد؟
كم من صل السيوف لم تُقعقع بعد؟
كم من الطبول لم تُقرع بعد؟
كم من الصواعق لم تُرعد بعد؟
صقر العينين قال:
كم من الأصوات ستسمع غ
َدْ.
والأهازيج ستغنى ،والرمح زاد ورفيق وي
َدْ
.
عبد الرحيم لعرب
ماي
2007

المتنبي على أبواب حيفا أو ربما مضرب عن الطعام مع الأسرى الفلسطينيين


عشنا على الذكريات
نمنا على أخبار الموتى
صحونا على صناع الحياة
ا
ِبق كقبضة بدوي تبني الرايات
من جراح الطريق الطويل...الطويل...الطويل
من هزات الدرب و انقلاب السياسة على التضحيات.
يا لشياطين تعانق النيازك
النور ثمرة تنضج بعد الظلمة الحالكة
الصوف يغزل من الأشجار الشائكة
ا
ُصمد خلف الجراح المثخنة
ا
ُصمد خلف المتراس،و الخندق و القلوب المحصنة
ا
ُصمد أمام زحف الفاشست ، تحت الهيجاء ...أمام المقصلة
ا
ُصمد كفنيق الشهداء ،كأعصاب المعطي، كعروق بنعيسى،مروة
كدمه الساخن المتدفق على أوراقه، و شظايا لحم على المِقلمة
فيروزية الصوت تغرس الرايات الحمر على خرائب ستالينغراد،الم
َعْلَمَة
لتغني بأوتار الشمس:
النازيون لن يمروا، مليون شهيد تلو المليون
الخندق تلو الخندق، همجية التتار تتطاير و الدم فوق العمائم
لن يمروا، لن يمروا، نتساقط سنبلة، سنبلة،
نحمي زيتوننا، كرمة التاريخ، أغصان التين،جريد الشهداء
من كل الثعالب النازية ، من فيالق الهاغاناه،
ضعوا في فم كل "هينكل" قنبلة، قنبلة.
فليتحالفوا ما شاءوا مع الإمبراطور قيصر،
مع سدنة القبور،نقاء العرق، ليشربوا نخبهم في البيت الأصفر
لن يمروا...فلسطيني هذا الورد الأحمر
روما فيروزية الصوت ،كم أنت خارقة رغم الكمائم
فيروزية الصوت رغم هدير الطائرات،ناصعة رغم الغمائم
ا
ُصمد خلف لحنها ، خلف بريق عينيها،من رحمها يولد الميلاد
قاوم تحت سلخ الجرمان، أصمد تحت فلق الجلاد
فظهورنا دبغتها الهزائم
ا
ُصمد رغم كيد المنجمين لا تصدق وإن كذبوا
فعيوننا صقلتها النمائم.

رثاء الفرس الأخير للمتنبي



صامدا يخطو قاطعا موج الأنواء
إن رحلت فلن يحبك أحد
لا ترحل فلن يُُه
ٓد أُحد
لملم جراحك الغائرة
لا ترحل، فلن يهواك أحد
خذ طريقك و عصافيرك الطائرة
و انشد أغنية الجماهير الثائرة
غن وارقص
دق
َّ بارودتك
تذكر آهة الشهيد الصمد
ا
ِبق كعيني طفل يبحث عن حليب أمه
في ثدي جفت بأرض بغداد
ا
ِبق كفرساوي يصنع الحياة
من ضوء السهاد
ا
ِبق كسجين كتبت على جسده
قصائد الحرية كسجاد.

أوراق المتنبي الأخيرة أو احتضار أمام قاتله


حزينا يمشي مناجيا سواد الليلة الليلاء
إن كنت صادقا في هذا الزمن الغوغائي
فلن يهواك أحد
خذ عصافيرك و أشجارك و ارحل إلى الصحراء
ا
ِقطع لسانك و اطمره في البيداء
حتى لا يسمعك أحد
إن كنت بروميتيوس هذا الزمن الحربائي
فستسخر منك كلاب البوليس و إلاهات النار
خذ قلبك الثائر و ارحل إلى القفار
و ادفن عزك في الرمداء
و اقتلع عينيك كي لا تراهم يرونك
تتمرغ في رماد العذراء.

نشيد الثـــــــــورة



الثورة:
ليست سدل لحي، رأي نبي
فضيلة تقي، طيبوبة صبي
ثُأر بكري و لا ثغلبي
ليست خمس صلوات تحت قبة البرلمان
 تقبيل التيجان،حمر التبان
خوف الشجعان
أحجية القط و الجرذان
ليست اختباء الفئران في الميازيب
رقصة اليعاسيب.        
ليست سجف الدخان البيضاء
فودكا في الحانة الحمراء
ليست رؤى ولا عكاظ الأوهام
ولا ضرب الأزلام
الثورة:
نبض الكون، ولادة روما، انشطار نيرون
الحرب السرمدية، قتال الإلكترون و النيترون
نبض السينين، قافلة الدهر، انقسام العالم إلى اثنين
حرب السماء في وحدتها، انقسام الوجود لنصفين
في الماء، في الدم، في الغمام،في البرق و الدخان والهواء
في كل شيء، في كل شيء، هابيل و قابيل لم يتوحدا و لن يتوحدا
حرب التاريخ في وحدته، لمعسكرين عثمان مات
و الزنوج قالوا:
الثورة، الثورة
 لا بد أن تنتصر.
انشطار الكون وحدة عالية، حياة في الرمق
ترنيمة على كمان رقابنا و ماء الشفق
جروا سكاكينكم
موزارا يترنم ، نطفة لمن خلق.
كوني" آنتوس" الجديد
تشبثي بضوء الشمس
و امزجي دماء اليوم بالأمس.
كوني " آتون" يرقص لعيد الميلاد
لنبني أهراما للشعب المجيد
نشرب مياه النيل لا تروي عطشا
نفتح خزائن رمسيس لا تضيء غبشا
نحن المستحيل الذي لا يستحيل
نملأ المظاهرات
 السجون، الأغنيات
نقتلع كل العيون،الزنبقات
نموت خنقا بين فخذي الأمازون
نملأ كل الاحتجاجات
نسمل كل الجفون
رؤوسنا تعانق المشانق
هياكلنا العظمية غصون
أيدينا مدملجة بالسلاسل
صرخاتنا تفرح أطفالنا الجوعى كالليمون
نملأ كل المقابر
نسقي كل الزيتون
نملأ كل الوديان، كل المداشير
نفرح نساء كربلاء، و علي يحض كل المغاوير
نملأ الأعراس
نملأ الأحزان
قائمة الشهداء
 ساحة الميدان.
فلا طبق على طبق
و كل من قال هيت لك، افترق
فلا شبق و لا ورق
كل من قال لا ذالك، احترق
فنحن المستحيل الذي لا يستحيل.
 معبر ليافا و الجليل
طوبى لأسرانا بالزنازين
سردق سري
خيط الحساب للنصر الأصيل
حيفا عائدة، غزة مقاومة
ليمضي بعيدا عنا عصر العويل
طوبى لنا بالثورة
فهي المستحيل الذي لا يستحيل.
نغرس بيارقها
نغرس، و نتساقط واحدا ، واحدا
نغرس،نزحف، نرحل شهيدا، شهيدا
 ننهض من قبورنا،  نغرس ونزحف
تحت رهج حوافرهم
لينبت في الأرض علم "أبو جهاد"...
و المغربي دلال ترقص في الأعياد
من يعجز عن تقبيل بارودتك
فلينسحب
من يعجز عن حمل بيارقك
فلينسحب
لترسم محيدلي لوحتها للجنوب
الثورة، الثورة لا بد أن تنتصر.
فلا رأي لمن لا بارودة له
و لا طاعة لمن لا معقل له
ها غونزالو سجنوك
وما قتلوا أفكارك
سوران أعدموك وما اقتلعوا أشجارك
هذي حكمة البنفسج الأبدية
لن تضيع دماؤك
كما تضيع دماء القرابين على الأطلال الطينية
هذه لوعة الوطن الدهرية
حكمة سبارتكوس السرمدية
غونزالو وضعوك في قفص قبري
كل الكاميرات انسحبت
لا يوضع في السياج إلا غضنفر و قسورة
فزأرت و زأرت:
Viva la guerra popular
Viva la guerra popular
فاستيقظ الشهداء بعد " كومة"
لتلتحم قبضاتهم العظيمة
Hasta la victoria
Hasta la guerra popular
نفسهم الأخير
أيديهم تلامس شعر الغابات
زروال يعلو تحت كرباجهم
رحال يغني تحت شتاء سياطهم
جراكوس يسمو و يسمو إلى أن يلامس آلهة الرومان
أمام حبل مفتول، أمام مشنقته
يستجمع رئتيه و يبتسم
يمزق جريدتهم و يبتسم
الثورة لا بد أن تنتصر.
ريح صرصر شتوية
سبارتكوس، سبارتكوس
يتذكر آهات لوركا
صرخات التعذيب ،بطش فرانكو
ملايين الثوريين ذبحوا
ملايين المغاورين صرخوا حين ارتد الوشاة
لا بد أن تنتصر
شجرة السنديان الولودة
فؤاد المعطي ينبض
أنامله تعزف أوتار السنابل
جسم زبيدة بلسم لجروح القبائل
ليرتد الصدى أغنية على المنوال
الثورة لا بد أن تنتصر.
النسيم من الأنديز إلى جبال الهيمالايا
الريح ترضع من مزودة كايباكايا
لن يمحو الدماء المداد
لن يخمد الجمر تحت الرماد

غاليلي حطم أصنام باطليموس
و أعلن دورة الأرض.
أم الحياة أم الكون
أم العواصف، أم اليباب، أم الديدان
أم الحجر، أم المجرات، أم الخلايا، أم السنين، أم الجرمان
أم الإغريق، أم بابل، أم سومر، أم الرومان
أمنا أم الزمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان.
                                                

                                                         مارس 2006

مـــلاءة حـــــمراء

مـــلاءة حـــــمراء


ملاءة روزا تلامس جلد قصدتي
                      وقصيدتي بحر لثلاثة وعشرين آذار
بزة الشعب تنفح طيبـــــا
                     على سرير انتفاضات دجنبر
وانتفاضتي قصيدة لصحراء الأنصار
خطابات الثوار صدى للجائعين في رئتي،مطرا
قبضتهم ندى للأرامل،جسرللأغاني،خذ خبرا
"العم سام "يغطس هيرقليطس،ليسبح في النهر مرتين
وقطرة دمي أنشودة،رذاذ يسقي زيتون حيفا شجرا،شجرا
إلياذة"هومر"ملحمتي
وامرؤالقيس يمج حروف قصيدتي مرتين
لأخلق من الزرع آدما أرجوانيا مرتين
هنا سدرة المنتهى، هنا البداية ترقص مرتين
كنارة مشردة، ناي منبوذ،جبين مبلل،
رغيف ممضوغ مرتين
جلباب ريفي مبرقع ،كوفية جنوبي،عباءة هو شي منه
تعصر من زبد البحر معلقات لقبارتي
وقبارتي أنين على بحر أيلول الأسود
هانوي الجميلة  تغتسل في نهر الميسيسيبي
                              تستنشق أبقراط ليجرح قلبي مرتين
بشعرها المنساب تسبح في نهر سبو، ملوية، أبي رقراق
تشم قبور"أولاد خليفة" لينبتوا من الحجر، ليصرخوا مرتين
أقدام "إخوان الصفا" تتمزق على شفتي مرتين
لتداعب رائحة الفطير نسيم الصباح
تحيي شقشقات البلابل حمرة الفجر، عزم الشهداء
أم تحمل شارة النصر، لابنها المقاتل في الرمضاء
هزيج الحصادين المغتدين نحو شمس اللهيب
يدرسون الوغى، يلمون حنطة، عجينا، حلوى للنصر القريب
هذا النصر، هذا الغد
منديل حبيبة يلف أحشائي على وزن نيرودا
هندام فلاحة
زيها المطرز بالدمع على جفني المحروث.
فاختبئ، اختبئ كزغردة مزارعة
كمنديل حبيبة في أحشائي على وزن أنشودة.
اخرج، اخرج، وارقص
على وقع الفرسان و صهيل الجياد
 ورهج الدخان الممدود
اقتل قز السندس
مزق أوردة الحندس
ادخل، ادخل بهو التاريخ
 جنديا ثائرا طرواديا بالأمل الموعود.
                                              
                                                  ع الرحيم لعرب 2004

الخميس، 26 سبتمبر 2013

إلى روح عبد الرحيم بورويص: رفيقي لا ترحل

                                                        رفيقي لا ترحل
قد نفقد أعظم الأحبة لا تبكي 
مات خيرة رفاقنا ، رحلت عنا الضحكة الناعمة 
لم يمت يا سعاد لا تبكي 
عزته أعظم ما نحكي
تذكرت بسمته 
عندما يداعب أفكار الحياة 
ما أروعها، ما أروعها!!
حين يحكي ينشد له الهواء 
باسما يصارع عذاب الداء
ضاحكا يصارع خبث الأطباء
صامدا يواجه هبة الأنواء 
كأبي القاسم الشابي، ياسمينة عبقة فيحاء
ما أروعك، ما أروعك!!
ما أصعب فراق الأحباء 
سعاد لا تبكي
فقدنا أعظم الأحبة لا تبكي 
سعاد لا تبكي
أميمة عطر من جنانه الغناء
أميمة نشيد أمل وعزاء، زغردة نصر بعد رثاء 
! آه، أمي الطبيعة!آه، أمي الطبيعة
لماذا قطفت أرجوانة ناسمة 
لماذا قطفت قبرة باسمة
آه، أمي الطبيعة لن أغفر لك، لن أغفر لك 
اعذريني لن أغفر لك، لن أغفر لك 
لماذا زحفت على حقل قلبي 
وأبكيت الخنساء في كل حدب
أمي الطبيعة، آه منك
لماذا فقأت عين الشمس
لمادا أدميت وجه القمر
لماذا أزمت لسان الرعد إلى الهمس
لماذا أدمعت مقلة المطر
عبد الرحيم لم ترحل عنا 
أنت علمتني أنت سميتني
عبد الرحيم لن ترحل عنا 
نم هنيئا بين أحضان أمك
وقل لأمك الطبيعة :
أنا أرضع من ثدي حياتك رغم سمك
أنا بين ثنايا الكون رغم أنفك رغم غمك
سأعيش في صدور الذين أحببتهم
في سهر الليالي واجتماعات منتصف الليل واقتسام السجائر
وتجاذب الضحكات وقراءة الشعر و البشائر
أنا فيكم أنا في أحلامكم، أمالكم في كل الضمائر 
أيا سعاد لا تبكي
قد تقطف أزكى الياسمين لا تبكي
فعبد الرحيم حي في كل السواقي والمداشر ...
شتنبر 2007
عبد الرحيم لعرب

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

الحلقة الرابعة و الاخيرة: كوني بردا وسلاما على إبراهيم

حيرني لغز الكهف العلوي. فتساءلت مع مرافقي النوراني:
-          هنا جنة ونار، لكن إلى أين يؤدي الكهف العلوي؟
-         إنها "جهنم المفكرين والأدباء".
-         ما معنى ذلك؟!
-         إنه مصير مدهش، غريب، كاللغز. تلك منطقة آوى إليها أولئك الذين استشهدت ببعض أقوالهم في امتحانك البرزخي.
-    الفلاسفة، الأدباء، العلماء...كيف ذلك؟!! ظُلَموا هناك وسيُظلَمون هنا؟ معاذ الله!  ألم يُقتَلوا هناك؟ ألم يُعدَموا زورا وبهتانا؟ ألم يُسجَنوا ظلما وعدوانا؟ ألم يُحاصروا ويُشتموا من كل حدب وصوب. ألم يكونوا كالأنبياء يُرمَوْن بالحجر، لأنهم شهروا الحقيقة الصادمة، في وجه الجهل المستشري؟!!
ساورتني دهشة عارمة، غاشية للأبصار، خطفتني كالبرق الصاعق:
-         هل هم أيضا في سقر وما أدراك ما سقر؟!!
أجابني بهدوء نوراني، وكأن أسئلتي بالنسبة له مجرد صدى بعيد، في واد سحيق، من كوكب يبعد بملايير السنوات الضوئية عنه:
-    لست أدري، ولماذا لست أدري، لست أدري، كما قال أبو ماضي، أحد شعرائكم. يا هذا... خذ مفتاحك، وسترى كل شيء بأم عينيك.
أخذت مفتاحي العجيب، أحسست بقلبي مُزلزلا من مكانه، ودمي يفور، رغم حداثة تجديد خلقي. الدهشة مرة أخرى تطرح الأسئلة. قررت إتمام طريقي المجهول. لا أحد ألفيته ينادني، يا ابن السبيل. صعدت على سلم جهنمي حام. لا أسمع في الأسفل إلا صراخ المستبدين الصاخب. رجلاي تكاد تذوبان من شدة الحر. تقدمت نحو الباب فتحته بقوة وبلا تردد، المصير النهائي الذي لا جدال فيه تراءى أمامي واضحا. ترقبت مرهوبا متصدعا ليأخذوني بالنواصي ويغلوني، ثم الجحيم يصلوني. ازداد خوفي خوفا على خوف. اضطربت كل الاضطراب. أعدت قراءة العنوان المخطوط على الباب الأخير." جهنم الفلاسفة،المفكرين، الأدباء،العلماء،الشعراء،الفنانين، التشكيليين، النحاثين،العازفين...،
-    يا إلهي، هذا لا يصدق؟! يا للندامة! يوم لا تنفع الندامة...يا ويلي...يا ويلي... أهذا هو مصيري الملعون؟! نهايتي المأساوية؟ أ أقول يا ليتني قدمت لحياتي؟!!!
فجأة تردد صوت من داخل الكهف مجلجلا:
-         خير ما قدمت في حياتك... تفضل...تفضل، لا تجزع ولا ترهب، مرحبا بك عندنا.
-         مــــــ.....ــــــن؟ مـــــــــــــــ....ـــــــن أنـــ.....ت؟!!!
لما هممت بخطوة إلى الخلف، ضحك ساخرا مني، مقهقها كأنه سكران:
-    لا تخف يا بني...ادخل جهنمنا، أهلا وسهلا بك في أتونها. ليس لك إلا طعام من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع. ههههههه
-         أسناني ببعضها اصطكت... فرائسي تخور... حوبائي اختنقت...وتقول أهلا وسهلا. بئس هذا الترحاب.
-    تفضل يا هذا...أنا ابن رشد القرطبي...أنا سقراط الإغريقي...أنا ديدرو الأنواري...أنا غاليلو الكوني...أنا برونو شهيد العلم... أنا ابن المقفع الشرقي...أنا الحلاج الصوفي...أنا إبراهيم الحنفي...أنا مروة الحكيم...أنا طه الأديب...أنا النواس الخمري...أنا المهدي الثائر...أنا الفارابي المعلم الثاني...أنا الكندي فيلسوفكم الأول...أنا ابن سينا طبيب أبقراطي الجذور...أنا...أنا...
ترددت في كل الجنبات أسماء، وأعلام كبيرة، معروفة وأخرى مجهولة. منها من أعرفها حق المعرفة، ومنها من لا أعرف عنها إلا النزر القليل، ومنها من أنا في الطريق لمعرفتها...لمعرفة نفسي.
وفي خضم هذه الدهشة العارمة، تساءلت:
    -   ماذا وقع في ميزان الحساب حتى صرتم من أهل جهنم؟!
رد أحدهم بشكل هادئ ورزين:
-         ادخلها بسلام ولا تهب. أ لم تسمع عويلهم تحتنا؟ أولئك الذين نفونا، شتمونا واتهمونا ثم صلبونا وقتلونا؟.
بدأت شرارات اللهب تتطاير بجانبي، ولحمي يتساقط رغم قوته الماورائية، همهمت واضعا كفي على فمي حتى لا يذوب لساني كاملا:
-         ما الفرق؟!... ها أنتم أيضا في جهنم خالدين فيها أبدا!! لا فرق!... لا فرق...!
اهتزت أركاني لضحكة موحدة صاخبة، اشرأبت أيديهم نحوي لتجذبني نحوهم. وهتفوا معا:
-    يا أيتها النفس المفكرة، ارجعي إلينا ثائرة، وادخلي جهنمنا لتكون عليك بردا وسلاما. لا قرت أعينهم، ولا التهبت نارهم أصحاب الأخدود.
عينيا اغمضت منتظرا وديان اللهب والزمهرير لتتلقفني. مرت كل الأسماء و الوجوه أمامي مسرعة. وصرخات الكوابيس المرعبة التي كانت تترصدني، كلما قرأت كتابا من كتب فرويد. هذا الأخير ذاته من أيقظني وهو يتلو طلاسم تفسير الأحلام. رشني بماء بارد تخلل كل شقوق نفسي  كأرض جرداء. حركت رموش عيني بصعوبة. كل شيء صاف، هادئ، مع موسيقى مارسيلية عذبة لا تنتهي، كلما سمعتها، قلت هل من مزيد؟ تخللتني دهشة رقراقة لا توصف، شوق من الإمكان إلى الوجوب، ومن الضرورة إلى الحرية.
أشجار النخيل والجوز، كانت تلفني بظلها وثمارها. فواكه لا تعد ولا تحصى، تين ورمان، كنا نتسلل لقطفه عندما كنا أطفالا، ونحن نتسلى بلعبة الجنة والنار في الفدادين المجاورة. عنب، تفاح وإجاص، كنا صغارا نراها من بعيد عند خضار ذي زبائن مميزين. لم نعرها اهتماما، ربما اقتنعنا آنذاك بأنها من الأشياء التي لا يجب أن نشتهيها كباقي الأطفال. تمر لذيذ ذكرني بوليمة كنت أسترقها عند عمي البشير، عندما كان يدخل إلى ضفة غير مرتبة من دكانه. ويطرح أمامي ما أشتهيه من التمر واللبن. وفي بعض الأحيان يهديني موزة طرية تسلب الذوق. مياه عذبة رقراقة تحيي النفوس، وتروي أكبادنا بالحياة كأنهار الحوز المتدفقة. وهذه الذكريات تدور بخاطري، أخذ ابن المقفع بيدي وقال:
-    تفضل...اجلس لأروي لك قصصا من كليلة ودمنة، سخرية من ماضينا وجلادينا. لعلها جهنم تبدو للبعيدين من أتون أسئلتها، وجنة للغطاسين في متونها.
قال آخر:
-    لعلها نار الشوق والبحث عن حقيقة منفلثة. لهب الأسئلة المستعيرة. حر الدهشة الدائمة. طفولي هو الإنسان دائما. هذي جهنمهم وجنتهم في آن.
على وقع هذه الترانيم، في قداس ملكوتي، سرمدي الأنغام. لاحت بسمة حكيمة من فم سقراط ساخرة من ماض عنيد، وقاض حاكمته الحكمة قبل التاريخ. ابن رشد يتأمل مسارات المنفى القديم، وإهانات السلطان ورجال الدين. المتنبي يشهر أبياته فصيحة معجزة المعاني. يضحك ساخرا ممن ادعوا الربوبية ليتهموه بادعاء النبوة. الكواكبي سبر أغوار الدين ليكشف أن الحكم باسمه من وجوه الاستبداد. توضأ من ماء الخلجان مطهرا الإيمان من كل سمسار وبائع صكوك غفران. ديدرو حطم سجن الباستيل الكنسي مضيئا الأرجاء. أبونواس يغازل إحدى حبيباته الحوريات. داروين يبحث عن أصل الجنة والنار في هذا الملكوت، وكيف تحول بعض الطغاة إلى قردة خاسئين. ماركس يلامس أصل الفرح والغبطة السائدة في هذا المكان بين الجميع، وانتفاء صراع الكل ضد الكل.
أخذني الجميع على قدر دهشتي الشاعرية، فارتمينا في نهر ماؤه سلسبيل جار، شهي نمير. وهتفنا جميعا مرددين بين أرجاء الملكوت الحر:

    - هذي الجهنم، جنة فردوسية، إذا كان وقودها الفلاسفة، المفكرون، العلماء، الفنانون، الشعراء والأدباء...!!!