الأربعاء، 7 أغسطس 2013

الحلقة الثانية: كوني بردا وسلاما على إبراهيم

الحلقة الثانية:                        كوني بردا وسلاما على إبراهيم
              ....تتمة
تلمست ضحكته النورانية لأول مرة:
-         إذن ستجيب عن أسئلتي دون تردد وبلا مداورة. لماذا أنت هنا قبل أوانك المسطر في جدول قدرك الإلهي؟
-    سيدي البرزخي...أنا مثلك لا أعلم. ربما لأني أحب الحياة، أرسلوني إلى الحياة الأبدية. الأجدر أن تسأل من أرسلني إلى هنا؟
-    كل نفس مسؤولة في يومها. وأيضا مثلك كثيرون عبر التاريخ مروا من هنا. لماذا تتكرر نفس الأمور عبر هذا التاريخ؟ هل هي مأساة آدمية في مسرح يعيد تمثيل شخصياته دون توقف؟
-    هل عُينتَ في هذا المنصب لأنك فيلسوف؟ الأجدر بك أن تكون حكيما عوض أن تكون حارس قبور، تجادل هياكل عظمية أعطت كل ما بجعبتها في الحياة، ولم يتبق منها إلا الرميم؟...ههه
-    الأجدر بك أن تصمت الآن وأن لا تتدخل في ملكوت لا يعنيك؟...ربما لهذا أنهوا حياتك هناك، وأرسلوك لكي تزعجني في كوني المطلق.
-    حتى هنا تكثر الأسئلة...أما هناك فلا توجد غير الأسئلة. وأناس يقطعون الألسنة. وأنا لا أرى غير العقل يصنع كل شيء، وقيل أنه يصنع حتى الأشياء غير العقلانية. وحتى اللاوعي الذي قيل أنه جبل الجليد الذي يتربع أسفل العقل، ليس إلا اكتشافا عجيبا من اكتشافات العقل لذاته.
-         وهل نحن هنا من اكتشاف العقل أو اللاعقل؟
-         ربما من صنعهما.
-         لماذا تعرض نفسك للخطر؟
-         لأني أردت ان يكون العدل السائد في هذا الملكوت حقيقة هناك، لا ظلا هنا لرغبة مظلومة هناك.
-         كيف؟
-    هناك... خلطوا الأوراق وتحدثوا باسم من هنا. وجعلوا أنفسهم حراس الذين هنا. وهناك من نظر إليكم من خلالهم وسلم كل شيء لهم. حتى عقولهم وقوتهم اليومي. رغم أن هناك من قال لهم ناصحا: لا يمكن أن تفكر عوض غيرك كما لا يمكن أن تأكل عوضه". بل هناك من حرضهم قائلا: "دافعوا عن عقولكم كما لو أنكم تدافعون عن حصون مدينتكم". لكن ربما لأن غيرهم  يأكل مكانهم ، فغيرهم من سيفكر مكانهم أيضا. ولأن مدنهم بلا حصون لم يهبوا للدفاع عن عقولهم.
-         لماذا يحاسب الله الإنسان، ولا يحاسب الحيوانات، النباتات، والجوامد من الأشياء؟
-    لأن الإنسان مسؤول عن أعماله. لأنه الوحيد المميز بالعقل، أي الارادة والحرية والتفكير...هذا ما جعله الوحيد المحاسب بين ملايير هذه الكائنات الممتدة عبر هذا الكون الفسيح.
-         كل الكائنات تسبح بحمده.
-    لو أراد الله الإنسان فقط ناسكا، عابدا، مسبحا بحمده، لخلقه كباقي الكائنات الأخرى. لكنه أراده مفكرا، عاقلا، باحثا، مخترعا، عالما، مكتشفا، متميزا بمنتوجات عقله اللامحدودة. ولهذا قيل العمل عبادة، العلم عبادة، الاختراع عبادة، التفكير عبادة، الابداع عبادة، الفن عبادة،...
-         وقد قيل لهم أيضا أن الله لا يمكن أن يعطيكم شرائع مخالفة للعقل.
-         إن الذي قال ذلك حاربوه باسم هذا الملكوت أيضا، وأنت سيد العارفين بقصته الكاملة.
     لقد استغلوا نور هذا  الملكوت ببشاعة لا مثيل لها. وحطوا كل المساحيق الزائلة لاستمالة الناس، وتحريضهم على كل من وظف نور الملكوت نفسه المزروع في الإنسان، ألا وهو نور العقل.
-         لكن تفرقت هذه الشرائع إلى طوائف ومذاهب وفرق متناحرة لاتبقي ولا تذر!
-    هل خلق الله الشرائع لخدمة الإنسان أو العكس؟ لو طرح الإنسان هذا التساؤل  لفهم أن هذه الشرائع جاءت لخدمته وطمأنينته، لكنه للأسف جعلها جسرا للقتل مدعيا خدمة الله  ومنصبا نفسه مدافعا عن ملكوته اللانهائي.  العلة الأولى، الفاعل الأول، المحرك الأول ليس في حاجة لشريعة القتل للحفاظ على وجوده السرمدي.  
-         إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان.
-    اللهم ثبتنا عند السؤال... لقد أعلنوا الجهاد باسمكم ضد العلم والعلماء. من تمنطق تزندق. أي علم لا يساير حقائقهم البالية أضحى كفرا وإلحادا. يلوون ذراع العلم الذي لا يستكين للأجوبة الجاهزة ليبرروا أكاذيبهم وعجزهم المطلق الواضح للجميع. وكأنهم يريدون تثبيث قلة خزفية خرافية كبيرة على صهوة حصان جافل لا يكف عن الركض والقفز.
-         ههه...لا محالة ستنكسر تلك القلة المسكينة...

-         و ستتشظى الخرافة أيضا إلى قطع منثورة. لن يبقى منها غير أشياء على سبيل المجاز.
                                                                                                           ...يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق